محمد عطية
عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ : قُلْتُ : يَارَسُولَ اللهِ ، مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ.
1- أمسك عليك لسانك :
المسلم الحق هو الذي يحذر كل الحذر من لسانه ؛ لأنه سوف يحاسب على كل كلمة بل كل لفظ ينطق به لسانه قال تعالى : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد) [ق: 18] ,وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: \”الفم و الفرج\”
عن أبي سعيد الخدري قال: إذا أصبح ابنُ آدمَ فإنَّ أعضاءَه تُكَفِّرُ اللسانَ؛ تقول: اتقِ اللهَ فينا؛ فإنكَ إنِ استقمتَ استقمنا، وإنِ اعوججتَ اعوججنا.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: \”لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُهُ، ولا يستقيمُ قلبُهُ حتى يستقيمَ لسانُـهُ، ولا يدخلُ الجنـةَ حتى يأمنَ جارُهُ بَوائقَهُ\”.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ ، قَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَيَامٍ وَصَلاَةٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ. أخرجه أحمد
وعن ابن مسعود وسلمان الفارسي، قالا :أكثر النّاس وقوفاً يوم القيامة أكثرهم خوضاً في الباطل.
إن السكوت سلامةٌ ولربما … زرع الكلام عداوةً وضِرارا
فإن ندمتَ على سكوتكَ مرةً … فلتندمنَّ على الكلام مِرارا
2- وليسعك بيتك :
إن الاهتمام بالبيت هو الوسيلة الكبيرة لبناء المجتمع المسلم، فإن المجتمع يتكوّن من بيوت هي لبناته، والبيوت أحياء، والأحياء مجتمع، فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعنا قوياً بأحكام الله، صامداً في وجه أعداء الله، يشع الخير ولا ينفذ إليه الشر.
فيخرج البيت الصالح إلى المجتمع أركان الإصلاح فيه طالب العلم المجتهد، ، والشاب الغيور على دينه وعلى عرضه، ووطنة والبنت العفيفة الطاهرة، والزوجة المخلصة، والأم المربية، وبقية الصالحين المصلحين.
والاهتمام بالبيوت لإصلاحها وتقويمها يتطلب عدة أمور منها :
1- حسن اختيار الزوجة واعانتها على الطاعة : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : \”تنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك\” متفق عليه.
فعن عائشة قالت: \” كان رسول الله يصلي من الليل فإذا أوتر، قال: قومي فأوتري يا عائشة \” رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: \”رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى فأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء\” رواه أحمد انظر صحيح الجامع.
2- الاهتمام بتربية الأولاد تربية إيمانية متكاملة , جسمانيا ونفسيا وعقليا .
قال الله- تعالى-: {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين} قال ابن عباس: أمروا أن يتخذوها مساجد.
وقال ابن كثير: وكأنّ هذا – والله أعلم- لما اشتد بهم البلاء من قبل فرعون وقومه، وضيقوا عليهم، أمروا بكثرة الصلاة؛ كما قال الله – تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة}.
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. أَخْرَجَهُ أحمد
إن المشكلة التي تواجهها كثير من بيوتنا اليوم أن بعض أفراد هذه البيوت قد تخلو عن مسؤولياتهم , فالأب ترك مسؤولية التربية كاملة للأم , والأم قد انشغلت بأشياء أخرى غير تربية الأولاد , وصار كلا منهما ينحي باللوم على الأخر , ومن هنا جاءت وصية النجاة ( وليسعك بيتك ) فمتى نعود إلى بيوتنا نصلح منها ما أفسدته بعض وسائل الإعلام , ونصلح منها ما قصرت فيه المدارس ؟ .
قال أبو الدرداء رضي الله عنه : نعم صومعة المرء المسلم بيته، يكف لسانه وفرجه وبصره، وإياكم ومجالس الأسواق، فإنها تلهى وتلغى .
3- وابك على خطيئتك :
المسلم يحاسب نفسه ويعاتبها على تقصيرها ( وابك على خطيئتك ) , ويعرف أن ذلك طريقا لنجاته من عذاب النار وغضب الجبار , عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \”ثلاثةٌ لا ترى أعينُهم النارَ: عينٌ حَرَسَت في سبيلِ اللهِ، وعينٌ بَكَت مِن خشيةِ اللهِ، وعينٌ كَفَّت عن مَحارمِ اللهِ\”.
قال: الحسن البصري: لقد مضى بين أيديكم أقوام لو أن أحدهم أنفق عدد هذا الحصى، لخشي أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم، وقد ورد في الترمذي عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: ((ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها)).
والبكاء من خشية الله سمة العارفين قال عبد الله بن عمرو بن العاص : لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بمئة ألف درهم.
وقد بين أن من بكى من خشية الله فأن الله يظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فقال ((…ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)) بل حرم الله النار على من بكى من خشيته قال : ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع))،
فانظروا عباد الله إلى البكائين في الخلوات، قد نزلوا على شواطئ أنهار دموعهم، فلو سرتم عن هواكم خطوات لاحت لكم خيامهم ولسمعتم بكاءهم ونشيجهم، ولسان حالهم يقول:
نزف البكاءُ دموعَ عينك فَاسْتَعِرْ * * * عيناً لغيرك دمعُها مدرار
من ذا يعيرك عينَه تبكي بها* * * أرأيت عينا للدموع تُعار؟
فمعاتبة النفس والبكاء من خشية الله دليل على حسن الإيمان , وطريق إلى النجاة وسبيل إلى دخول الجنة والفوز بالرضوان .